وردة لن تذبل
تكاد تنتهي وعد من حكاية ما قبل النوم، التي تقصها على ابنتها ذات السنوات الخمس ، التي بدأ النعاس يغالب جفنيها الناعمين مع قرب انتهاء القصة.
ارتسمت بسمة على شفتي وعد، عندما غفت ابنتها، وبدأت تملأ عينيها بمنظر فلذة كبدها وهي نائمة، وتروي ظمأها من همس شهيقها وزفيرها. لقد كانت حنين رفيقتها الوحيدة في البيت، هذا البيت الذي لم تعرف جدرانه منذ بضع سنين إلا حنين وأمها
مشت بهدوء على أطراف أصابع قدميها نحو غرفة الجلوس، إلا انها توقفت عند باب حجرة حنين واستدارت، لتلقي بنظراتها مجددا على صغيرتها، أميرتها النائمة
مرَّ ذكره في بالها، وابتسامته تراءت لها في خيالها. تذكرت ذلك الحلم الجميل، تذكرت حنو نظراته ورقة كلماته، يوم كان يحضن يدها بين يديه، ويحلم. نعم، كانا يحلمان معا، قبل أن ينتهي الحلم، وتبقى منه ذكراه
توجهت نحو غرفة الجلوس، وفتحت درج المكتبة، وأخرجت من الدرج كتابا قديما، ثم ألقت بجسدها المتعب الذي أنهكته الآلام والأحزان على الكنبة.
إهداء إلى زوجتي حبيبة القلب
لا يشترط أن تكون السعادة مفروشة بالورود طريقها ،لا بد ان تعتريها بعض الأشواك....زوجك
يومها، ناولها الكتاب بعد أن ذيله باهدائه، ففتحت أول صفحاته، وتعلقت عيناها بجملته هذه، والتي حوت لأول مرة الورود والأشواك جنبا الى جنب. تجهم وجهها وبدت على محياها علامات الحيرة والقلق . ثم نظر إليها فقال:
كثير من يظن أن طريق السعادة رحب وواسع مفروش بالأزهار والورود، فإذا أصابته مصيبة وهو سائر في هذا الطريق، ظن أنه قد ضل طريق السعادة، أو أنه سلك الطريق الخطأ منذ البداية، وغفل عن إدراك أن السعادة طريقها مملوء بالأشواك. صمت قليلا ونظر إليها وعيناها ما زالت معلقتين بهذه الكلمات، رفعت عينيها لتلاقي عينيه. تابع قائلا:
طريق الخير يا عزيزتي، هو طريق السعادة، ولو واجهتنا في طريقنا الأشواك وآذتنا، فانما نمر فوقها في بصبر وتوكل، ومن أشد ما يسر الإنسان في حياته، أن يجد من يؤازره في هذا الطريق ويدفع به إلى الأمام.
تسمرت عيناها في عينيه. حاولت أن تمنع مآقيها من أن تدمع، ترقرقت عيناها رغما عنها، وما لبثت الدموع أن جرت على وجنتيها. لم تسمع منه من قبل نحو هذه الكلمات، كان يحدثها دوما عن السعادة والورود، ولم يجر على لسانه قبلا ذكر الأشواك
تابع يقول لها: عزيزتي، ينبغي أن لا يستسلم الزوجين، في طريق الحياة، وإن واجتهما المصاعب والعثرات، فلا يتخلى كل واحد منهما عن رفيق دربه، وإن اشتد به الألم، وطالت به الطريق. وهذا هو الوفاء بعينه. انظري إلى الوردة الجميلة التي بين يديك، عما قريب سوف تذبل ويذهب عطرها، أما الوفاء حبيبتي، فهو الوردة التي لن تذبل مع مرور الأيام، بل يستمر الوفاء زاهيا بمعانيه
وهنا توقف المشهد، وسقط الكتاب من يدها دون انتباه منها، ليعيدها من أفكارها وذكرياتها الى حيث هي، على كنبة غرفة الجلوس
مرت بها الأيام، ومرت السنين، وأخذ الشيب يمتد في رأسها. قد ذبلت الورود وذبلت زهرة شبابها، بينما ظل الوفاء لذكرى زوجها الشهيد، وردة لم تذبل.
قد مات زوجك يا وعد، بعدما دافع عن أهله وعرضه وأرضه، من مكر العدو الغاصب. هنيئا له، وهنيئا لك على وفاءك وصبرك. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
0 Comments:
Post a Comment
Subscribe to Post Comments [Atom]
<< Home