الماكياج الخطير

قد يتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى، أنه ذاك الذي تضعه المرأة على وجهها، حتى تبدو أجمل مما هي عليه، فتخدع الناظر إليها ، وتسترعي إنتباهه، وهو لو رآها على حقيقـتها، أي عندما تستيقظ من نومها صباحا، فقد يعرض عنها

طبعا، من النساء من هن جميلات فاتنات، حتى من دون ماكياج، فليس مرادي هاهنا الإنتقاص من جمال المرأة، إنما ما يقوم عليه الماكياج من إخفاء للعيوب وخداع للنظر

الماكياج الذي أردته، هو ماكياج النفس، فهو الماكياج الخطير، الذي يسبب لنا الأذى والقلق، إنه ماكياج من نوع آخر، يمكْـيجُ به الإنسان نفسه، فيخفي عن الناس حقيقة أمره، فيلهثون من تنكره وراءه. يُظهر لهم زينته البراقة، فيموه على قلوب الناس، مستغلا قصر نظر من إنسدت آفاقه

نعم من الناس من يبطن ما لا يظهر، ويتصنع سعة العلم وحسن الخلق وهو للشر مضمر، فحتى يقال عنه مثقف متحضر، يتظاهر بالفهم، فيخوض في أنواع العلوم، ليقال عنه أنه للعلم نهم. وهو في الحقيقة جاهل ليس له من العلم سهم

في علم الإقتصاد، هو رجل الاعمال الذي لا ينافس، أسهمه دائما في صعود، ولا تعرف أعماله أي ركود، وهو حقيقة لا يهمه سوى النقود، ولو أتته بها القرود. بارع في توقيع العقود ونقض العهود، حتى على أقرانه يسود

في السياسة، تراه المحلل البارع، الذي قل نظيره. المراقب العارف ببواطن الأمور وظواهرها، فلكل حدث ينبري للتحليل بكل ثقة، حتى لتعجز عن إسكاته أو مقاطعته، فلسانه بلا فرامل وفمه بلا ضوابط

في الدين، تجده للافتاء أول المتصدرين، ويخوض تحليلا وتحريما مع الخائضين، فيقْـفُ بما ليس له فيه علم ولا خبر، لا فقه ولا نظر. والأدهى أنك قد تجد من يحجم عن الكلام في الأقتصاد، أو أمور التصدير والاستيراد، أمام أهل الإختصاص دونما اعتراض. أو حتى عن السياسة، إذا صودف وجوده بين الساسة، إلا أنه في الدين، فانه يخوض فيه حتى في حضرة المفتين، ويرغي ويزبد وهو من الملحدين

في الطب، تجده لامعا، ومن علمه بالطب تحسبه ساطعا. خبير بالأمراض وعوارضها، عنده الوصفة لكل مرض، وحبة دواء لكل عارض عرض

يدعي التواضع، يحب الأطراء والمديح، ويكره النقد البناء الصريح. مغرور ومتغطرس، مستبد وعلى رأيه متمترس، يكره منافسيه، ويحب المنهزمين، فهو يرى فيهم سبب إنتصاراته

لا يحب نجاح الآخرين وحسود، محب فقط  لخير نفسه وحقود. يحب أن يكون لوحده في القمة، ومن سواه يحب لهم أسفل المواضع في العتمة

يفخر دائما بإنتصاراته، ويحتقر الآخرين لإنهزامهم أمام حملاته. لا ينصح حتى لا يُتـفوق عليه، ولا يقبل النصح، لأنه بنظره ملك الناصحين ومنبع الفهم ومرشد الحائرين

يعشق المجاملة ويخشى أمام الناس المواجهة الشاملة. جبان بطبعه يستقوي بغيره. أناني ينسب انتصارات الآخرين إلى نهج مسيرته. محب للأفساد، ويدعي الإصلاح وهو من أكبر المفسدين للبلاد والعباد. للغدر جاهز متى ما سنحت له الفرصة. مثير للقلاقل مسبب للبلبلة. يظهر كالمصلح المشفق على الناس وبيده للأمور الحلحلة

فارس زمانه تراه وبأبهى حلة وفي قلبه ألف علة وعلة. قبيح كل القبح، ولكنه يعتمد على تمكيجه للحصول على الفوز والربح. يتبع جديد الموضة، فهي سر نجاحه في السيطرة على العقول، فيما يعجز عن مجاراته فيها الفحول

وإذا ما انبرى، وتصدرت صوره الجدران في المدائن والقرى، ينتخبونه ممثلا للأمة، حتى يبث فيها سمه. كيف لا وهو أكبر الممثلين وبفنون التنكر والماكياج رأس العارفين