محمد رسول الله

ومضٌ سَطعَ بالنورِ في أرضِ الحَرَمِ ... أضاءَ الكونَ من رِفعَةِ المشهَدِ الفَـخـِمِ

 أمطــرتِ السمـــاءُ بالعَــطايا مِــدراراً ... فـارتـوتِ المناهِــلُ مـن هَـطـلاءِ الدِّيَـمِ

وازدانتِ الــدُنـيـــا طـَــرباً لِمولـِـــدِهِ ... وعـمَّ البهــــاءُ رُحــبَ أفــلاكِ الأنــجُـمِ

وسَرتْ بُــشراهُ في المدائنِ والقُـرى ... وعَـــبِقَ الطيــبُ في الشِّعـابِ والأكَـــم
 
إيـوانُ كِــــسرَى تـَـداعى مُـتــصدِّعاً ... والفرسُ بـاتوا على نـارِهِم في مَـأتـَــمِ

بُـعـثَ والنـاسُ فـوضىً لا عِمـادَ لَهم ... تـيــــهٌ بيــنَ الـــوأدِ وشـآمـةِ الصـُـنــُمِ

بالــدينِ الحنيفِ قد أتــانــــا مُرسَـلاً ... جــــاءَنا بــــآيٍ من النـــورِ والحـِـــكَمِ

للعـــالمينَ رحـمةً مُهــداةً وهُــــــدى ... وبـَــدراً منـــيراً للدّيـــاجي في الظُـــلَمِ

رحــــيـمٌ حــلــــيـمُ لـلأمــــانـةِ عَـلــمٌ ... مـــا كـــانَ يَـــومـاً إذا قــــالَ بمُـتـَّـــهَمِ

في الحسنِ لم تُـحصَ قـطُّ مَـحــاسِنُهُ ... وضيــــاءُه سـمـــا شـَـــوامِخَ القِـــــمَمِ

أفـصحُ النــاطـقينَ أصـدَقـُـهُم لَهــجَةً ... أولُ الفـــرســانِ عنــدَ كــلِّ مُحـــتــَـدَمِ

الـذئبُ جــاءَهُ والغـــزالةُ قـد شـــكَت ... حـــنَّ إليــهِ الجِــــذعُ وأنَّ مـن الألـَـــمِ

ونَــطقَ الـــذراعُ إنَّــنــــي مَســـمومٌ ... والحَـصى سبـَّح في يــدِ النبيِّ الأكـــرَمِ

والمــاءُ عـذباً فــاضَ من أصــــابِعِهِ ... وشَهِـدت لــهُ الأشـجــارُ بلـفـظٍ مُحــكَمِ

وانَفَـلقَ شِــقَّينِ البـــدرُ المُنـــــيرُ لهُ ... كــالـلـبيــبِ استـجــابَ من غير تَـكَــلمِ

سُبحـانَ من أعطـاكَ القــرآنَ معجزةً ... فـيهِ البيـــانُ وفـيهِ فيـــضٌ من النـِّــعَمِ

مَنهلُ الرُشدِ يَهـدي للســبيلِ الأقــوَمِ ... عـنـدَ النــــزاعِ كـــــانَ خيرَ مُحــــتـَكَمِ

وحِصنٌ منَ الضُـرِّ للنـفـسِ سَـكـيـنَةٌ ... وفيـــهِ جـــلاءٌ للصُّــدورِ مـن الغـُـــمَمِ

فــريدٌ ما انقـَـضَت كُـــلُّ عَـــجائـِـبـِهِ ... مبـــاينٌ لمــا اعتـــــــادوهُ منَ النـُّــظُمِ

تَحـــدَّاهم يـــأتوا من مِثـــلِهِ بــــآيـةٍ ... فـارتضوا السيـفَ بديـلاً مِن عَــجزِهِمِ

هـــو النـــبيُّ رفيـعُ القــدرِ والشـِّــيَمِ ... غــيث الأنـامِ مـن عـُــربٍ ومـن عَــجَمِ

أوصــانا بالجـَـارِ وبالــنســاءِ رِفـقـاً ... وبـالعــــدلِ والإحــســـانِ وبالــرَّحِــــمِ

عَـلمَـنــا أن ســوءَ الـظـَّــنِ مَـأثـــمَةٌ ... كــذلــكَ البــغيُ والفّـحـــشاءُ في الكَـلِمِ

وأن الفَضـــلَ تــــقوى الله مَـــرجِعُهُ ... فـبهِ السَّــــبقُ للمخـــدوم عـلى الخــدم

فَمن مِثـلُ مُحَمدٍ في الــورى قَــــدراً ... وأبَــرَّ مـِـنـهُ فـي قـــــولٍ وفـي قـَــسَمِ

جَمَـعتَ في خِصالـَـكَ كُـــلَّ فـَـضيلــةٍ ... يـا خـــيرَ من عَـلَّمَ الإحســانَ والكـــرَمِ

وخُــتِـــمَ بـكَ النــبيــــــونَ قــــاطِـبةً ... كـنـتَ لـهُم خَــــير خَــلـــفٍ ومُـخــتَــتِمِ

فـيـا سعـدَ أمـــةِ بــكَ قــــد شُــــرِّفت ... نــالـت بفَــضلكَ الفــضلَ عـلى الأُمـَــمِ

ما ضــرَّكَ من شـانَ قدرَكَ مُنـتَـقصاً ... لـن يُفــلِحَ من دسَّ الـسُّـمَ في الـــدَّسَمِ

الـــبحرُ هــدَّار لا تـُــــثـنيهِ أهــــواءٌ ... والمــوجُ يقـــذفُ مــا حَـوى من الرَّمَمِ

بئسَ المــصيرِ جـــهنــمُّ مَــوعِــدُهٌم ... أفــواجُـهم تــلــظَّى بيـنَ النـارِ والحِمَـم

ومـن تســتَّر بِـزِيِّ الديـــنِ تــجَــارَةً ... فاللهُ حـــــيٌّ لــم يَغــــفَـــل ولــم يـَــــنَمِ

قـد خــابَ من كـــانَ لأحـمـدَ جــاحداً ... فــالشــمسُ ينـكرُها كُـــلُّ عـنيــــدٍ عـَمِ

همُ الأجــيالُ بلــــسانِ الـرّسلِ تَعرفهُ ... هُـــوَ الأمـــــــــامُ لأهـــــلِ الله كُـلهِــــمِ

نِعـمَ الـــوسيــلةِ إذا حـــلَّت نــــازِلـةٌ ... تــوسَّــلت بـِــهِ إلـى اللهِ مـــن ضِـــــيَـمِ

القــلبُ يشــــدو في غـــرامِ مُــحمَّــدٍ ... مــن هــــامَ بحـــبِ مُحـــمـَّـدٍ لـم يُــــلَمِ

أرقَى الوَرى من إلى السـماءِ ارتَـقى ... لهُـوَ الـــــدواءُ لـكـلِّ صـَـــبٍّ مُــغـــرَمِ

مَعاني الشــوق في قـلبي لهُ أرسِلُها ... سبـقَ الهــوى في حــبهِ خُـطى قَـدَمي

بـــريقُ أحـداقي في الخـــفاءِ أستُرُه ... والـــدَّمـعُ يجـــري طَــعــمُهُ في فـَــمي

وأحِـــنُ لِـمـنــازلَ عَــبـِـق ذِكــراهــا ... طَـلَلـُها في النَّـفسِ بـــاقٍ غـيرُ مُنحَسِمِ

يا صَبا من روضِهِ الشَّريفِ تـَنَسَّمي ... مُـرِّي على الرَّوحَاءِ والغارِ ذي الشَّمَمِ

وبُـثـِّـي عـليـنا الطـيـبَ من عَـرفـِهِمِ ... ومـن أعـطـارِ ثـَــرى مَقــَــامِـهِ العَــلَمِ

ويا غــادياً شَـــطرَ الحَطـيمِ وزمزما ... مــن تِـــهـامـةَ نَـحْوَ المـــــدينةِ يـَـمِّــمِ

واقـصِدْ من طـابَ الأديـمُ بـهِ والقـاعُ ... واحـمِل نــســائـِـمَ وَجـْــدي إلى إضَـــمِ

بـلـِّغ المختارَ سَلامي وأنّي مُـلتَـمِسٌ ... أرنـو إلى وَجــهِهِ الوضَّــاءِ في الحُــلُمِ

وأنـّي قـد رَجــوتُ مِنــــهُ شَـفــــاعةً ... يُمْـــحى بهـا كُــــــلُّ إثــــمٍ مُـجــــــتَرَمِ

ربِّ بلِّــغـني زيــارةَ من لـه العُــــلى ... عــنـدَهُ الشـفــاءُ يُرتــجى منَ السـِّـــقَمِ

وجُــد لي بـعـفـوكِ يا أكــرمَ مُرتَـجى ... والطـُـف بِيَ مـن كُـلَّ هـولٍ ومُصـطًـدَمِ

إن الـنــبيَّ مَـــنـــارٌ يُـستــــنـارُ بـــهِ ... فـاقـتـبس من نـورِه كُـن عـاليَ الهِمَـمِ

والـتزمْ سُـبُــلَ الفـلاحِ تَـلـقى النَّجاحَ ... إن الـتُّــــقى لـلمَـعــالي أرقـَــــى سُلَّــمِ

ولا تَــخـلِدَنَّ إلـى الـــدنيا وزُخـرُفِها ... وكُن عن وساوسِ الشيـطانِ في صَمَمِ

إن تَصـــبُ إليهـــا تَـعُـــد بخيــبتِــها ... وزادكَ مَــكــــرُها نِــقَــماً عـلى نِــقَــمِ

النـفسُ تُـردي النَّـفس إذا تَحَــــكَّمَت ... فـقَـوِّمِ النـفسَ كي تَـنجو مــنَ الـوَخَـمِ

واسرِجْ مَطاياكَ بالبِرِّ تَعـلُ صَهَوتَها ... واكبـَـحْ جُــمـاحَ الشَّـهَــواتِ باللـُـــجُمِ

ولا تـبنِ فـوق موجِ البـحرِ صُروحـاً ... إن الصُــروحَ لا تُـبنى عــلى الـوُهُــــمِ

إنَّمــــا الأعــمالُ بالعـــــلمِ ميـزانُــها ... مـــن خــاضَ اليَــمَّ بـغـيرِ عُـــدَّةٍ يَــهِمِ

والـزمِ الرُشدَ في قــولٍ وفـي عَـــمَلٍ ... صُـم عنِ الشَّـيـنِ لا يَصْمِكَ ولا تُـــصَمِ

واحـفـَـظ لســانَك واتَّـــقِ عـَـــواقِـبَهُ ... فــزَلة القــولِ أدْهــــى من زلـَّـة القـدَمِ

واثـبُت عـلى الحقِّ لا تَعـِدلْ بهِ ذهَـباً ... إن البَّــاطــلَ لا بـــُـدَّ يومـــاً بمُـنـــهَزِمِ

ولا تأمنِ الرَّدى في ضُحىً ولا شفقٍ ... وقـد يأتـيكَ في جُــنحِ اللـيــلِ والغَــسَمِ

إن النـبيَّ لَصفوةُ الخَـلـقِ من مُضَــرٍ ... طــــوبــى لـمُـقــــتَــدٍ بــه ومُـــلـتَـــزِمِ

إن كُـــنتَ حـقـــاً في هَــواهُ مُـتــيـَّماً ... فـاتَّــــبِـعْ هُــــداهُ وبِـهـديــِـهِ استـَـــقِمِ
 
ربِّ ســألـتُــك بالحَبـــيـبِ مَغـــفـــرةً ... فـلا تَـــدعْ ليَ جُــرحاً غـــيرَ مُـــلتَـــئِمِ

واجعــلْ رجـائي إليكَ غـيرَ مُنـقـطِعٍ ... وأحسِن خِـتـامي بِجـاهِ النـبيِّ الأعـظَمِ

أتـــيــتُكَ مُـقـراً بالــذنبِ مُسـتـَـغــفِراً ... فيــا حَسرتي دونَ عـفـوِكَ ويـا نـَدمي

بمدحِ مُحــمَّدٍ قصيــــدتي تـَــــجمَّـلت ... وكــلُّ الفــخرِ أنّــي لأحـــــمدّ أنــــتَمي

لستُ أفــــيهِ مــا جَـهِدتُ حـقَّ قَـدرِهُ ... ولــو مـدَّني المــادحــونَ بأمــــــدادِهِمِ

حارتِ الأقـلامُ فـي وصـفِهِ فـما دَنـَت ... من رفـعــةِ شـأنِ مُحمـــدٍ ذي العـِــظـَمِ

صلـَّى عـليــكَ اللهُ يـا أكـــرَمَ مُـرسَـلٍ ... وللهِ الحــمدُ فــي بــَــدءٍ وفـــي خَــتَــمِ